مرّ القطوع الاقليمي الذي تجلّى بالاغتيال الأميركي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وبالرد الايراني بالقصف الصاروخي لقاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق، ولكن من دون أن ينطفىء فتيل التصعيد ومواجهة عسكرية محتملة بين الولايات المتحدة الاميركية وايران في أي وقت.
وفي موازاة هذا التطور، وقف لبنان في موقف الراصد للصدام الاميركي الايراني، شأنه في ذلك شأن كل دول المنطقة التي حبست أنفاسها إزاء تفجّر التصعيد بين الطرفين وما قد يجرّه من تداعيات. فيما بَدا جلياً انّ العامل الاقليمي طغى بالكامل على الوضع الداخلي، وظهرت نتائجه الفورية على الخط الحكومي، بحيث يبدو انّ مسار التأليف بدأ يخضع لمحاولة تعديل جذرية من حكومة تكنوقراط الى حكومة تكنو-سياسية.
بحسب معلومات "الجمهورية" انّ الساعات الاخيرة شهدت ما يمكن وصفها بالانعطافة الحادّة في مسار التأليف، وارتفعت اسهم الحكومة المختلطة من سياسيين واختصاصيين. والتي تحظى بتأييد واضح من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري و"حزب الله".
تحدثت مصادر معنية بحركة الاتصالات عن التطورات عمّا سمّته تغييراً جوهرياً على الصعيد الحكومي، يفترض أن تتبلور وجهته في الايام القليلة المقبلة.
وأشارت المصادر الى انّ النقاش عاد الى المربّع الاول، لحسم شكل الحكومة بالدرجة الاولى، والاسماء التي طرحت، سواء التي تم التوافق عليها او تلك التي ما زالت محل اختلاف حولها، لم تعد ثابتة في معظمها، خصوصاً انّ التوجّه حالياً هو الى توسيع الحكومة من 18 وزيراً الى 24، بحيث أنها تضمّ في صفوفها 6 وزراء سياسيين على الاقل.
عون وبري
واكدت المعلومات انّ تواصلاً قد جرى في الساعات الاخيرة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، جرى فيه عرض الاوضاع الداخلية ربطاً بالتطورات الاقليمية التي تسارعت منذ اغتيال القائد الايراني قاسم سليماني.
وتشير مصادر المعلومات الى انّ الوضع الحكومي احتلّ جانباً أساسياً في الحديث بين عون وبري، مُلمحة الى توافق بينهما على انّ المرحلة باتت تتطلب حكومة تكنو-سياسية.
وعُلم في هذا السياق انّ شكل الحكومة عاد في الساعات الاخيرة ليخضع الى نقاش سياسي، وتحديداً بين "فريق التأليف". واللافت فيه ان لا اتفاق نهائياً بعد على شكل الحكومة، ما يعني انّ طرح "حكومة اختصاصيين صافية" بات قريباً جداً من أن يخرج من التداول على خط التأليف، ليتقدّم البحث جدياً حول حكومة مختلطة.
وبحسب مصادر موثوقة فإنّ العديد من القوى السياسية التي كانت موافقة - قبل التطورات الاقليمية التي تمثّلت باغتيال سليماني والرد الايراني عليه باستهداف قاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق - على حكومة اختصاصيين بلا سياسيين قد سحبت موافقتها. ولفت في هذا السياق ما أكدته مصادر قيادية في حركة "أمل" لـ"الجمهورية" أنّ الحركة "لم تقرر بعد ان تشارك في الحكومة، فهذا الامر بالنسبة إلينا ما زال محل تفكير ونقاش، علماً انّ موقفنا النهائي هو أننا ماضون في حكومة تكنو-سياسية، لا أغلبية فيها لأحد، ولا تضم أسماء مستفزّة، والغاية الاساس تحصين البلد سياسياً في وجه التحديات، والعمل السريع والدؤوب لإنقاذه من أزمته الاقتصادية والمالية الخانقة".
عين التينة
مصادر عين التينة أكدت لـ"الجمهورية" أنّ الرئيس بري هو في الاساس مع حكومة تكنو-سياسية، وقد عبّر عن ذلك صراحة مرّات عديدة قبل تكليف الرئيس دياب، وبعده. وأكد، بعد لقائه بالرئيس المكلف في إطار الاستشارات النيابية للتأليف، انه مع حكومة لَمّ شمل تستطيع أن تتشارَك فيها كل المكونات في عملية إنقاذ البلد.
وبحسب المصادر، فإنّ الرئيس بري، وفي ما يُشبه "قَلب طاولة حكومة الاختصاصيين"، أعادَ التأكيد على هذا الامر أمام "نواب الاربعاء"، بقوله انّ البلد يحتاج في هذه المرحلة الى حكومة جامعة. فاللبنانيون، وفي ظل الوقائع المالية التي تتدحرج من سيئ الى أسوأ، لا يأبهون لهذا الكَمّ من الثرثرات السياسية، بل جُلّ همّهم واهتمامهم يكمن في حكومة تطمئن الناس وتبدّد الهواجس المشروعة حيال لقمة العيش وجَنى العمر بعيداً من منطق الأنانيات". وقال: "إنّ المرحلة تستدعي حكومة لمّ شمل وطني جامعة، وفق رؤية تتصدّى بنجاح لكل تلك الهواجس، إنطلاقاً من تقديم مصلحة لبنان وكل اللبنانيين... وانّ الوقت ليس وقت إلقاء المسؤوليات والإلتهاء بشكل الحكومة عن جوهرها وبرامجها".
وعُلم في هذا الاطار انّ الرئيس بري قدّم خلال لقاء الاربعاء عرضاً للواقع الراهن في لبنان، والمستوى الانحداري الذي بلغه، وأكد للنواب انّ أزمتنا الاقتصادية خانقة، وهذا ما نشعر به جميعاً. والحكومة المقبلة، أيّاً كانت هذه الحكومة، أمامها، الى جانب تحصين الداخل، أمران لا ثالث لهما: الأول، العمل الحثيث والسريع لإيجاد الحلول للوضع الاقتصادي والمالي. والثاني، تطبيق القوانين، حيث يوجد حتى الآن ما يزيد عن 54 قانون نافذاً، إلّا انها غير منفذه، وجزء كبير منها مرتبط بحلول للأزمة التي نعانيها.
وإذ اشار بري الى الشكوى العارمة من الفساد والى الدعوات الى مكافحته من كل حدب وصوب، قال انّ محاربة الفساد تتلخّص بكلمتين: تطبيق القوانين.
من جهة ثانية، اعتبر بري أنّ "العدوان الذي طاوَل سيادة العراق باغتيال اللواء سليماني وثلّة من قيادة "الحشد الشعبي" يشكّل تصعيداً خطيراً، مما سيغيّر ملامح النزاع الذي سيطر على المنطقة بأسرها، وقطع كل الخطوط الحمر". ورأى أنّ "المطلوب من حكومة تصريف الأعمال ممارسة صلاحيتها كاملة متكاملة، ولكن للأسف هذا الشيء لم يحصل على رغم خطورة الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها الوطن". وأكّد أنّه تسلّم مشروع قانون موازنة 2020، وسيحدّد جلسة للموازنة قبل نهاية هذا الشهر.
دياب ينتظر عون
وفيما راجت تسريبات في الساعات الماضية حول مهل معينة لكي يحسم فيها الرئيس المكلف موقفه من حكومة تكنو-سياسية، أكّد مقرّبون من الرئيس المكلّف حسان دياب لـ"الجمهورية" انّ موضوع الحكومة التكنو-سياسية لم يطرح عليه في الاساس، وهو بالتالي لم يبدّل في المنحى الذي سَلكه من البداية في اتجاه حكومة اختصاصيين. كما أدرجوا ما تردّد عن مهل معيّنة واحتمال اعتذار الرئيس المكلف في خانة الترويج للتشويش لا أكثر، فالرئيس المكلف ماض في مهمته، والاعتذار ليس في قاموسه.
وكشف المقرّبون انّ الرئيس المكلف، خلال زيارته الاخيرة لرئيس الجمهورية، قدّم إليه مسودة حكومية شبه نهائية، تحتاج فقط الى اضافة 3 أسماء شيعية، إضافة الى بعض الروتوش، وأيّ حديث عن حكومة سياسية هو غير وارد، خصوصاً انّ تفاهماً أولياً قد حصل بين الرئيسين عون ودياب حول مسودة الحكومة، على أن يتبلّغ الرئيس المكلف الجواب النهائي (من رئيس الجمهورية) في وقت قريب.
"المستقبل"
الى ذلك، رأت مصادر "كتلة المستقبل" أنه قد يكون من المبكر الحديث حالياً عن الحكومة نظراً للتطورات الراهنة إقليمياً".
وقالت المصادر لـ"الجمهورية": "إننا في مهبّ الريح، وأي صورة مستقبليّة لن تكون واضحة قبل أيّام أو حتى أسابيع".
وثَمّنت المصادر مَطلب حكومة لَم الشمل الذي دعا إليه الرئيس بري، الّا انها جددت في الوقت نفسه تأكيدها "أننا مع حكومة اختصاصيين بأوجه نظيفة لا علاقة لها بالسياسيين الفاسدين المعروفين، عكس التي يتم "تركيبها" حالياً".
"القوات"
وقالت مصادر "القوات اللبنانية" لـ"الجمهورية": "نحن في لبنان، ومنذ العام 2005 تحديداً، في ظل انقسام وطني عميق بين من يريد النأي بلبنان عن صراع المحاور وبين من يريد إقحامه في صراع المحاور وتحويله الى رأس حربة في هذا الصراع. فضلاً عن انّ الأزمة الاساسية والمركزية والجوهرية التي تعصف بلبنان اليوم هي أزمة من طبيعة مالية واقتصادية ومعيشية واجتماعية".
أضافت المصادر: هذه الازمة لا تستدعي ولا تتطلّب حكومة لَم شمل. ولقد أثبتت الاحداث والتطورات انّ حكومات من هذا النوع في ظل ازمة من هذا القبيل عاجزة عن ايجاد المخارج المطلوبة، لا بل بالعكس، انّ الاكثرية الحاكمة هي التي أوصلت البلاد الى هذه الازمة المالية غير المسبوقة.
وأكدت المصادر انّ المطلوب اليوم هو تشكيل حكومة وفق متطلبات المرحلة المالية والاقتصادية. وباعتقادنا كـ"قوات لبنانية" نعتبر انّ المطلوب بإلحاح هو تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين، ليس على طريقة الحكومة العتيدة التي يتمّ تشكيلها وما يسرّب عنها لجهة انّ القوى السياسية او قوى الاكثرية تسمّي الشخصيات السياسية وبالتالي هؤلاء الوزراء ستكون لديهم مرجعية، وهذه المرجعيات هي التي أوصلت بتَحكّمها بالقرار الى الأزمة القائمة اليوم، فيما المطلوب اليوم هو تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين بعيدين عن القوى السياسية، إفساحاً في المجال أمامهم لإنقاذ لبنان من الوضع الاقتصادي الكارثي الذي وصل إليه.
وقالت: لا نعتقد إطلاقاً بأننا في لبنان، وانطلاقاً من متطلبات المرحلة، بحاجة الى حكومة لَم شَمل، بل بحاجة الى حكومة استثنائية إنقاذية تكون مؤلفة من اختصاصيين مستقلين. وفي حال استدعت الحاجة أي أمر ما، على غرار الاجتماع الطارىء الذي عقد في بعبدا في 2 ايلول الماضي، يمكن لرئيس الجمهورية أن يدعو لأيّ اجتماع لرؤساء الاحزاب ورؤساء الكتل والقيادات السياسية من اجل التشاور في الامور الوطنية، إنما الحكومة باعتبارها الأداة التنفيذية اليوم، يجب ان تكون حكومة اختصاصيين مستقلين.
"الاشتراكي"
وقالت مصادر "الحزب التقدمي الاشتراكي" لـ"الجمهورية": في هذا السقوط الداخلي الكبير مالياً واقتصادياً، فإنّ التفاهم الداخلي هو المطلوب قبل كل شيء. والمنحى الذي يجري حالياً في تشكيل الحكومة، او في الاصرار على التحكّم والاستئثار، لا يخدم البلد أبداً.
ولفتت المصادر الى انّ عقلية "التيار الوطني الحر" والمنحى الذي سلكه ويسلكه رئيسه، على قاعدة أنا او لا أحد، هما اللذان أوصلانا الى ما نحن فيه، فقد قفزوا فوق الطائف، وفوق التوازنات الداخلية وكل المعطيات والامور التي تؤسّس الى وحدة وطنية.
وأشارت المصادر الى انه قبل الحديث عن الحكومة بشكلها ومضمونها، يجب التأكيد مجدداً على الطائف، والعودة الى الطائف. وبالتالي، التواضع من قبل كل الناس ليتحمّلوا المسؤولية كاملة في إنقاذ البلد.
كوبيتش
وفي السياق عينه، أعلن المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش ان إبقاء لبنان بلا حكومة عمل "غير مسؤول" في ضوء التطورات في البلد والمنطقة. وغرّد عبر "تويتر" قائلا: "إبقاء لبنان بلا حكومة تتذسم بالكفاية والصدقية هو عمل غير مسؤول في ضوء التطورات في البلد والمنطقة". وأضاف: "أحضّ الزعماء على التحرّك بلا مزيد من التأخير".